بعد حادث غرق نحو 400 من المهاجرين غير الشرعيين في سواحل المتوسط، يوم أمس، ليضاف على العدد الأخر من القتلى الذين وصل عددهم إلى 11.000 شخص في ظرف نصف شهر. طلب دجينتيلوني اعتمادات مالية من الاتحاد الأوروبي، كي تستطيع إيطاليا مجابهة تكاليف ومقتضيات إنقاذ المهاجرين من الغرق والموت في البحر.
في الحقيقة، من الصعب القبول بفكرة أن إيطاليا أرادت فقط إحراج الاتحاد الأوروبي وتحميله المسؤولية وإبرازه في صورة غير المكترث بأرواح المهاجرين. فهي نعم - أي إيطاليا - تطلب الدعم المالي والمزيد من الاعتمادات.. ولكن، ليس من أجل إنقاذ أرواح من تعتبرهم أوروبا عبئًا ثقيلاً عليها ومشكلة عويصة من مشكلاتها، بل إن إيطاليا أرادت ممارسة نوع من الضغط، مستثمرة بذلك موقعها وساعية إلى كسب ورقة المطالبة بالدعم المالي. وتندرج هذه الاستراتيجية القديمة الجديدة في إطار التغييرات الحاصلة والمتمثلة في جزء منها في ظهور معطى جديد، يربط بدوره ظاهرة الإرهاب في أحد أهم أبعادها عمومًا بمسألة المهاجرين ومشكلات ما يسمى الجيل الثالث في البلدان الأوروبية، وأيضًا أصبح يتم الربط حتى بظاهرة المهاجرين السريين، باعتبار أن ليبيا - لا ننسى أن السبب المباشر وراء تصريحات وزارة الخارجية الإيطالية إنما يعود إلى فوضى الأوضاع الليبية وخطورتها - أصبحت مرتعًا للإرهابيين وتصول فيها عناصر من «داعش». أي أن إيطاليا أرادت أن تقول لدول أوروبا بأنها تستطيع تأمين عدم تسلل بعض «الدواعش» إلى دول أوروبا، ولكن بشرط دفع المال. ومن ثمة، فإننا أمام طلب تقديم خدمات بمقابل، ولكن طلبًا قدمته إيطاليا مغلفًا، محاولة استثمار الأوضاع الرّاهنة في العالم، خصوصًا كل ما يتعلق بمسألة الإرهاب والمهاجرين وتداعيات الميز العنصري وعذابات التشرذم والانفصام في الهوية، وغير ذلك.
طبعًا، نعرف جيدًا أن إيطاليا نفسها تعاني من البطالة، لذلك فإن المطلوب هو إعادة النظر في الدعم الأوروبي وإعادة ترتيب أولويات الدعم المالي ومجالاته الأكثر مصيرية. فمجال الشباب وتشغيله يعد الأهم اليوم، لأن الإرهاب معركة العالم في الوقت الرّاهن ويستقطب الشباب ويتغذى من إحباطاته ومن خوفه من المستقبل ومن جيبه الفارغ.