مثول كاتب إيطالي كبير بتهمة ارتكاب "المبالغة في حرية التعبير" - الإيطالية نيوز

مثول كاتب إيطالي كبير بتهمة ارتكاب "المبالغة في حرية التعبير"


في هذه الأيام تسهب وسائل الإعلام في إيطاليا وفي بقية البلدان الأوروبية في الحديث عن مثول الكاتب الإيطالي الكبير إيري دي لوكا (Erri Di Luca)  أمام المحاكم الايطالية في السابع والعشرين من شهر يناير 2015 بتهمة القيام بـ”أعمال تخريبيّة”، والمشاركة في تظاهرة لمنع مدّ خط سكك الحديد الرابط بين مدينة تورينو الإيطاليّة ومدينة ليون الفرنسيّة.

وردّا على التّهم الموجّهة إليه فقال صاحب رائعة “مونتديديو” الحاصلة على جائزة الآداب الأوروبيّة عام 2013، إن مدّ الخط المذكور مشروع بالغ التكاليف ومضرّ بالمحيط الطبيعي. كما أشار إلى أنه كتب نصّا تقريضيّا ضدّ السلطات الايطالية بعنوان “الكلمة المضادة” للدفاع عن أفكاره وعن حرية التعبير بصفة عامة. وهو يرغب في أن تكون محاكمته علنيّة أمام جمهور عريض وأمام قرائه الذين يكنّون له إعجابا كبيرا منذ صدور عمله الروائي الأول في السبعينات من القرن الماضي. وأضاف قائلا إنه إذا حكم عليه بالسجن فإنه لن يعترض على الحكم بل سيذهب إلى الزنزانة مرتاح البال لأنه لا يخشى العزلة ولا يخشى على قطّيه اللذين يقاسمانه العيش، الموت جوعا!

ومعرّفا الإرهاب قال إيري دي لوكا: “ليس هناك إرهاب إلاّ إذا ما كان المستهدفون لا يملكون وسيلة للدفاع عن أنفسهم. يصحّ الإرهاب على قصف “غرنيكا ” خلال الحرب الأهليّة الأسبانيّة، وعلى عمليّة “بياتزا فونتانا” في إيطاليا عام 1972. نعم هناك إرهاب عندما يتمّ قتل أبرياء من دون التعرف على هويتهم (…) وأنا أعتقد أن الثوريّ لا ينزع إلى السلاح إلاّ إذا لم يكن يملك وسيلة أخرى غيره. وأنا أثور عندما يوصف هذا الثوري بـ”الإرهابي” في حين أنه لا يعدو أن يكون مناضلا في حالة حرب.

وأنا عندما شاركت في التظاهرة ضدّ مدّ سكة الحديد بين تورينو وليون، كنت فقط أرغب في التعبير عن تضامني مع مجموعة صغيرة من سكان الجبل ضدّ عنف الدولة. لكن عليّ أن اعترف بأني لم أعد المناضل الثوريّ الذي كنته في السبعينات من القرن الماضي لأن المجموعة الثوريّة التي كنت أنتمي اليها اختفت ولم يعد لها وجود”.

وتحدث إيري دي لوكا عن حياة العزلة التي اختارها قائلا: ”وحدتي الأدبيّة اختيار. وأنا كنت قد منعت الناشرين الإيطاليين من توزيع كتبي في المعارض التجارية الكبيرة. وأنا لا أنتمي إلى أيّ فريق أو حلقة أدبيّة إذ أن المثقفين والكتاب الذين يفعلون ذلك هم في الحقيقة يبحثون عن الشهرة، وربما عن نيابة في البرلمان مثلما فعل ليوناردو شياشيا. أنا أفضّل بازوليني الذي كان قد ساعدني لكي أصبح مدير تحرير جريدة “النضال متواصل”. وأنا الذي لم يسبق لي أن انتخبت ولو مرة واحدة في حياتي، أعتبر نفسي كاتبا لا يقبل الالتزام إلاّ عندما يكون الأمر متعلقا بالدفاع عن قضايا أساسيّة. والشخصيّة الأدبيّة المحبّبة إلى نفسي هي حصان دون كيخوتي الذي كان ينقل سيده من مكان إلى آخر من “أجل قضايا مهمة”. وأنا أيضا حصان القضايا العادلة. ولو أتيحت لي فرصة أن أعيش ماضيّ من جديد لفعلت نفس الأفعال لكن بشكل أفضل”.

إيري دي لوكا ترك الدراسة مبكرا ليمتهن العديد من الأعمال اليدوية
ويقول إيري دي لوكا إن الشخصيّة الرئيسيّة في كلّ رواياته هي مدينة نابولي التي ولد فيها عام 1950، والتي تشكّل الفضاء الذي تدور فيه ما يرويه من أحداث ووقائع متّصلة بحياته، وبحياة عائلته البورجوازيّة التي فقدت جاهها وثروتها بعد الحرب العالميّة الثانية. لذلك أجبرتها الظروف الصعبة التي أصبحت تعيشها على ترك الحيّ الراقي الذي كانت تقيم فيه لتستقر في حيّ “مونتديديو” الفقير.

وفي البيت الضيق والحقير، كان الفتى إيري دي لوكا لا يجد متعة إلاّ في قراءة الكتب التي كانت تحفل بها مكتبة والده الذي قال له ذات يوم: “اللهجة النابوليتانيّة (نسبة إلى مدينة نابولي) سوف تحكم عليك بأن تتحرك وتفكر داخل قفص ضيق… لذا عليك أن تتعلم جيّدا اللغة الإيطالية التي هي لغة دانتي، ولغة بيتراركه، ولغة كلّ من صنعوا مجد الأدب الإيطالي… وهي لغة صعبة لكن دونها لن تكون إيطاليا بالمعنى الحقيقي للكلمة”. وأخذ الفتى بنصيحة والده.

ومنذ ذلك الحين أصبحت اللغة الإيطالية همّا أساسيّا بالنسبة إليه. لذلك سوف يعتني بها اعتناء كبيرا في كلّ ما سيكتب في ما بعد. وسيكون حريصا على تجنب كل كلمة زائدة عن اللزوم، وعلى أن تكون جملته قصيرة ومكثفة كما لو أنها بيت من الشعر.
وقد ترك إيري دي لوكا الدراسة مبكرا ليمتهن العديد من الأعمال اليدوية وغيرها. كما أنه انتسب إلى التيارات اليسارية التي ظهرت في السبعينات من القرن الماضي، وناضل في صفوفها ضدّ ما سمّاه بـ”التعفن الرأسمالي”. وعندما حصل على الشهرة بفضل رواياته التي ترجمت إلى أشهر اللغات العالمية، تفرغ للكتابة مكتفيا بالعيش مع قطين هما “عائلته الصغيرة ” حسب تعبيره.

كاتب من تونس