عبد الجبار الخطابي
(ماستر في العلوم السياسية بطورينو)
سقوط الأمطار أمر طبيعي و ذو علاقة وطيدة بالتقلبات المناخية التي
خلقها الله عز وجل حتى يبقى الإنسان خليفة الله في الأرض ويمارس كل أنواع
الزراعة، ليستمر الجنس البشري في مواصلة خلق خليفته ويستمر قطار الحياة.
وهناك دول أكرمها الله سبحانه وتعالى بسخاء كمية الأمطار التي
تسقط على أراضيها، أذكر على سبيل المثال الدول الموجودة على خط الإستواء التي تتشهد دائما طول السنة
حرارة تفوق 30 درجة وسقوط أمطار بشكل يومي يفوق معدلها 100م،
كما أن أوروبا تعرف خلال الفترة بين شهر أبريل/ نيسان حتى شتنبر /أيلول عواصف
رعدية،أحيانا سماعها يوقظ مدن بأكملها من شدة قوتها كأنك تحت قصف جوي
وعسكري وتشتعل سماؤها بنور البرق فيصبح الليل نهارا لترى بأم عينك قدرة الله على خلقه، ثم يتبعها تهاطل أمطار لو رأيتها
للوهلة الأولى لاعتقدت أنه الفناء قد أصاب الأرض.. ما إن يحبس المطر تعود الحياة إلى طبيعتها في غضون دقائق قليلة معدودات وكأن شيئا لم يكن على الإطلاق،وتبلع
الأرض ما ألقت السماء وتذهب المياه التي كانت قبل وقت قليل تشكل خطرا على الخلق، وتخزن في أماكن باطنية، ليتم تصفيتها في ليلتها و توزع في صباحها على الناس
حتى يستفيدوا منها بحكم أن قنوات المياه المطرية لا تختلط بقنوات الصرف
الصحي.
أما بالنسبة لنا نحن أهل المغرب وما دمت في المغرب فلا تستغرب، فلا يزال المطر أكثر شيء يؤرقنا ويتعبنا إن غاب أو حضر. فعندما سقط علينا مؤخرا انكشفت عوراتنا، ليس لأنه نزل بإفراط ولكن لأن قدراتنا ضعيفة أو منعدمة إذا أردنا الوصف المطابق والصحيح، فقد انكشفت جميع المستويات التي من خلالها تصنف الدولة ويتم الحكم عليها هل هي دولة بكل المعاني الحقيقة أم أنها فقط قبيلة كبيرة تعيش بعشوائية وتحت رحمة الطبيعة:
-على المستوى اللوجيستي والتدخل السريع فقد لوحظ غياب تام للجيش و رجال الطوارئ وظل مجموعة من الناس متشبتين بغصون الأشجار في قلب الأمواج الجارفة ينتظرون طائرات الهيلوكبتر، وربط جوانب الأنهار مثلا بأسلاك قوية تسمح للمرشحين بالغرق بمسكها وتشبت بها حتى يتم إنقاذهم. كذلك لم نرى رجال من الجيش الذين تكون مهمتهم الخطر بحياتهم في مثل هاته الكوارث فهي تشبه الحروب فيجب على من يسمي نفسه بالجندي أن يضحي لأجل الشعب والوطن.
الصورة في الأعلى: عمليات إنتشال جثت المهاجرين الوافدين على إيطاليا الصورة التي في الأسفل: رجال الإنقاد السريع في المغرب بعرباتهم المصفحة |
-على المستوى التواصلي يبدوا كذلك جليا غيابه ،فكل دولة لها على سبيل المثال مهندسون وخبراء الأرصاد مهمتهم هي التوقعات الجوية وإخبارهم السلطات المسؤولة على أمن المواطنين حتى يتم إجلاء الناس بقوة قبل النكبات والنكسات.
-على المستوى السياسي وما أدراك ما السياسي لم نسمع عن أي جهة سواء الحكومة أو العمالات أو المنتخبين تحمل المسؤولية و إستقالة المسؤولين والمحاسبة القانونية كما تفعل الدول التي تحترم نفسها ومواطنيها.
-على المستوى الاقتصادي والاجتماعي لم نسمع عن نوع وشكل المساعدات التي ستقدمها الحكومة على المستوى العاجل والقريب بحكم أن هؤلاء الناس فقدوا ممتلكاتهم وديارهم وهم على أبواب البرد القارس.
-أما على المستوى النفسي فحدث ولا حرج، فهل ستكون هناك متابعة نفسية وطبية للناجين من الغرق من شدة الهول لما شاهدوا لأن تلك المشاهد ستبقى عالقة في الذاكرة وستكون لها انعكسات مضاعفة وسلبية على صحة ونفسانية الناس وشهود العيان.
-على مستوى البنية التحتية فقد كانت الكارثة، فالصور التي وصلتنا أكدت أننا نعيش ليس العصر الطباشيري، ولكنه العصر الطيني فلون الماء( الغيصي) هكذا أسميه أفزع قلوبنا ولم نرى طرق وقناطر تحمل لون الاسمنت، فقط أكواخ والناس فقراء وبسطاء ولا شيء يوحي إلينا أنها دولة مجهزة ومبنية.
-أما الاعلام فتلك الكارثة وما أدراك ما الكارثة، فلم يعرف بماذا يسمي الحدث، أحيانا أمطار الخير وأحيانا يسكت وأحيانا لا أدري...
-على المستوى المواطنة فالناس تحمل في شاحنات الأزبال وياريثها حملت فقط أزبالها وقامت بمهمتها وهي النظافة، اللامبالات والعشوائية والتخلف وعدم الاحترام، فلا رحمة ولا شفقة ولا إنسانية سوى قلوب بعض الناس ترى ولا تستطيع الكلام. وانتهى الكلام.